کد مطلب:280388 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:272

القاعدة و الذروة
تذكر التوراة الحاضرة. أن الله أمر موسی علیه السلام ببناء خیمة الاجتماع لتكون مركزا للعبادة، وذكر سفر الخروج كیف تم تحدید المكان وكیف تم البناء. [1] فقال وكلم الرب موسی قائلا: فی الشهر الأول فی الیوم الأول من الشهر تقیم مسكن خیمة الاجتماع [2] وأخذ موسی الخیمة ونصبها. [3] .

ولأن العلم بالله هو أشرف العلوم وهو ذروة كل العلوم. فإن الله تعالی زكی من عباده طائفة لیحملوا هذا العلم الرفیع ویبینوا مراده وأسراره للناس. بعد أن أخذ الشیطان علی عاتقه القعود علی الصراط المستقیم یزخرف العلوم ویصد عن العبادة الحق. وفی عهد خیمة



[ صفحه 48]



الاجتماع كان آل عمران وعلی رأسهم هارون وبنیه هم وحدهم الذین لهم الحق فی تفسیر الشریعة التی جاء بها موسی علیه السلام. وتروی التوراة أن الله تعالی طهرهم وأعطاهم فقه هذا العلم الرفیع. وفی اختیار الله تعالی لهم تذكر التوراة أن الله قال لموسی تقدم هارون وبنیه إلی باب خیمة الاجتماع، وتغسلهم بماء وتلبس هارون الثیاب المقدسة وتمسحه وتقدسه لیكهن لی، وتقدم بنیه وتلبسهم أقمصة وتمسحهم كما مسحت أباهم لیكهنوا لی، ویكون ذلك لتصیر لهم مسحتهم كهنوتا أبدیا فی أجیالهم. [4] وتذكر التوراة أن موسی فعل ما أمر به الله فقدم موسی هارون وبنیه وغسلهم بماء، وجعل علیه القمیص.. وألبسه الجبة وجعل علیه الرداء... ووضع العمامة علی رأسه... ومسحه لتقدیسه. ثم قدم موسی بنی هارون وألبسهم أقمصة... كما أمر الرب موسی. [5] .

وفی مرتبة هارون وبنیه الفقهیة. تذكر التوراة أن الله كلم هارون وأمره بحفظ الشعائر التی علمها له. لتعلیم بنی إسرائیل الفرائض التی فرضها الله. وكلم الرب هارون قائلا: خمرا ومسكرا لا تشرب أنت وبنوك معك.. للتمییز بین المقدس والمحلل وبین النجس والطاهر. ولتعلیم بنی إسرائیل جمیع الفرائض التی كلم الرب بها بید موسی [6] وكان الله تعالی یبین الشریعة لموسی وهارون تارة.

ویوصی موسی بأن یبین لهارون وبنیه أمور من الشریعة تارة أخری وكلم الرب موسی وهارون قائلا لهما: كلما بنی إسرائیل قائلین هذه هی الحیوانات التی تأكلونها من جمیع البهائم التی علی الأرض [7] وكلم الرب موسی قائلا: كلم هارون وبنیه قائلا: هذه شریعة ذبیحة



[ صفحه 49]



الخطیة.. [8] وبعد أن تم التطهیر والتعلیم وعلمت الجموع منزلة هارون وبنیه من موسی. تقول التوراة (ثم رفع هارون یده نحو الشعب وباركهم.. ودخل موسی وهارون إلی خیمة الاجتماع. ثم خرجا وباركا الشعب. [9] .

وتذكر التوراة أسماء بنی هارون الذین اختارهم الله لیعلموا الشعب [10] وذكرت أن هؤلاء وحدهم لهم حق تفسیر الشریعة. وتوكل هارون وبنیه فیحرسون كهنوتهم والأجنبی الذی یقترب یقتل [11] وأخبرت التوراة بأن سبط لاوی - ولاوی هو جد موسی وهارون - مهمته خدمة خیمة الاجتماع وحفظ أمتعته، وأن الله وهب هؤلاء لهارون وبنیه. [12] .

ومما یذكر أن موسی وهارون هما ابنا عمران، وفی ذریة هارون أودع الله فقه الشریعة التی جاء بها موسی، وهذه الذریة من الذین اصطفاهم الله علی العالمین، ومنها مریم ابنة عمران وابنها المسیح علیهما السلام.

واختتم الله بهما الشجرة الإسرائیلیة، بعد أن حملت الخاتمة بعض أسماء المقدمة لتتذكر المسیرة البدایة من عند النهایة، وسنبین ذلك فی موضعه. فسبط لاوی جد موسی وهارون. یقول فیهم الله كما ذكرت التوراة یخدمون خدمة المسكن. فیحرسون كل أمتعة خیمة الاجتماع.. وتعطی اللاویین لهارون وبنیه إنهم موهوبون له هبة من عند بنی إسرائیل [13] أما هارون بن عمران وبنوه. فیقول فیهم وتوكل هارون وبنیه فیحرسون كهنوتهم والأجنبی الذی یقترب



[ صفحه 50]



یقتل [14] وهكذا تم تحدید القاعدة وذروتها.

وبالجملة: كان الكاهن الأعلی یقوم بمهمته بعد اختیار الله له، وهذه قاعدة أصیلة فی الدعوة الإلهیة للناس، والله یزكی من یشاء ویختار من یشاء، والعهد الجدید یقر بذلك فیقول ولم یكن أحد یتخذ لنفسه هذه الوظیفة الشریفة متی أراد بل كان یتخذها من دعاه الله إلیها كما دعا هارون [15] والرسالة الخاتمة أقرت بهذه الحقیقة، وذلك فی قول النبی (ص) لعلی بن أبی طالب أنت منی بمنزلة هارون من موسی. إلا أنك لست نبیا إنه لا ینبنی أن أذهب إلا وأنت خلیفتی فی كل مؤمن بعدی [16] وسیأتی الحدیث عن هذه المنزلة فی موضعه.

ولقد ألقی القرآن الكریم بأضوائه علی منزلة هارون، وذلك لما سأل موسی علیه السلام ربه تعالی (اجعل لی وزیرا من أهلی هارون أخی اشدد به أزری وأشركه فی أمری كی نسبحك كثیرا ونذكرك كثیرا) [17] قال فی لسان العرب: الوزیر الذی یحمل ثقل الملك ویعینه برأیه، والوزیر فی اللغة: اشتقاقه من الوزر. والوزر الجبل الذی یعتصم به لینجی من الهلاك. [18] وقال فی المیزان فی تفسیر الآیة: وإنما سأل موسی ذلك. لأن الأمر كثیر الجوانب متباعد الأطراف، ویحتاج فیه موسی إلی وزیر یشاركه فی ذلك. فیقوم ببعض الأمر فیخفف عنه.

ویكون مؤیدا لموسی فیما یقوم به موسی، وهذا معنی أقوله (اشدد به أزری وأشركه فی أمری) أی فی أمر كان یخص موسی وهو تبلیغ ما



[ صفحه 51]



بلغه من ربه. فهذا هو الأمر الذی یخصه ولا یشاركه فیه أحد سوی هارون. [19] .


[1] الخروج إصحاح 25، 26 وما بعده.

[2] المصدر السابق 40 / 1.

[3] المصدر السابق 33 / 7.

[4] المصدر السابق 40 / 11 - 15.

[5] اللاويين 8 / 1 - 12.

[6] المصدر السابق، 8 / 10 - 11.

[7] المصدر السابق 11 / 1.

[8] المصدر السابق 6 / 24.

[9] المصدر السابق 9 / 22.

[10] سفر العدد 3 / 22.

[11] المصدر السابق 3 / 10.

[12] المصدر السابق 3 / 5.

[13] المصدر السابق 3 / 5.

[14] المصدر السابق 3 / 10.

[15] العبرانيين 5 / 1 - 4.

[16] رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 204 / 21) والحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 33 1 / 3) وابن أبي عاصم وقال الألباني رجاله ثقات (كتاب السنة 565 / 2).

[17] سورة طه آية 29 - 32.

[18] لسان العرب ص 4824.

[19] الميزان تفسير سورة طه.